المائدة المستدير الثانية تبحر فى شخصية جمال حمدان
كتب : عبدالناصر الدشناوى
فى اليوم الثالث من فعاليات المؤتمر العام لأدباء مصر بعنوان عقدت المائدة المستديرة الثانية تحت عنوان “جمال حمدان.. خبيئة مصر … لمحات من المشروع الفكرى والإنسانى” شارك فيها د.السيد رشاد، د.محمد عفيفى وأدارها خالد الصاوى، أشار د.السيد رشاد فى بداية عرض بحثه إلى أن حينما لخص أحد أجداده من المصريين القدماء قبل سبعة آلاف عام جوهر الحكمة قائلا: كن كاتبا فالكاتب سيد نفسه، كان بناء عظيما، وها هو “خبيئة مصر”.. والتجسيد الحى والمبهر لتفرد جيناتها الإبداعية المتراكمة عبر آلاف السنين.. وبشارتها العبقرية للأمة والإنسانية “د. جمال حمدان”، يواصل فى الألفية الثانية بعد الميلاد مسيرة أجداده من البنائين العظام، بإعتبار مشروعه الفكرى واحداً من أهم – إن لم يكن الأهم – ركائز الفكر الإستراتيجى لأمته المصرية والعربية، بل الإنسانية كلها فى هذا العصر.
حيث قرر، مبكرا، الانحياز إلى الاختيار الصعب… فاختار الجلوس فوق جسر معلق فى المسافة بين الجغرافيا والتاريخ، والسياسة والاقتصاد، والفلسفة والشعر والموسيقى والرسم، مجسدا بحق تلك الخصوصية المصرية المتفردة.. “الوحدة فى التنوع “فتوجته” جغرافيا الحياة ملكا لها بلا نظير، ودون جدال، وأصبحت مصر لديه المعادل الموضوعى لوجوده وأوقف مشروعه الإنسانى ونبوغه العلمى عليها.. فصار موقدا لضوئها حتى فى أحلك لحظات تراجعها وعزلتها، واستغنى بها “وحدها” عما عداها حتى نفسه، فصارت له “وحده” وطنا فى عزلته.. يشعله ويشتعل فيه، لكى يضىء لنا طريق التأمل.
وأضاف إذا كان الرحيل المبكر لم يسمح له أن يصبح “بيرون” ليشهر سيف الكفاح ولا يغمده قبل أن يرى، بعينيه، “الظلام” الذى جثم طويلا ولا يزال فوق الوطن مضرجاً، ولم يترك له الأفق المستبد أن يقف مثل “شيلى” ويغنى مع الصباح أناشيد الخلاص من “الظلم”، فيكفيه شرفا أنه، رغم روحة الجريحة، ظل، حتى اللحظة الأخيرة، ممسكا بقلمه.. مقاتلا.. يفجر بكل حرف يكتبه , غضب الوعى والتنوير فى بحيرة أمته الراكدة، حتى لو ارتدت الحروف أحجاراً ورصاصات وحرائق إلى صدره.. إدراكاً منه أن دوره الحقيقى هو نقل فعل الحركة والحلم إلى الإنسان المصرى، من خلال جرأة امتلاك الخروج على الجمود والعدمية، ورفض انطفاء الآمال مهما كانت الإحباطات، والأهم استشراف آفاق المستقبل، بدليل أنه بشر قبل رحيله بثورة الشعب المصرى ضد حكامه الفاسدين والطغاة، وهو ما حدث بالضبط بعد ذلك فى ثورة 25 يناير وتوابعها، فى مصر.. وكان لا بد أن يدفع ثمن سباحته ضد تيار الانهيار السائد, من أجل رفعة وطنه وأمته، ومواجهته ثقافة التفاهات والنفاق والتسلق.. ومعارك الفساد والعدمية والأهداف الصغيرة والمصالح الرخيصة.. فأصبح، طوال الرحلة النفيسة، هدفاً لكثير من الأحقاد والمؤامرات التى بدأت بطرده من الجامعة واستمرت حتى بعد رحيله بتجاهل آرائه وأفكاره من “صغار” ربما خافوا قامته، أو التنكر لعبقريته من “جاحدين” لم يدركوا خطورة جحودهم على مستقبل هذا الوطن، أو فى أحسن الظروف، “نسيان منجزه” من ذاكرة جمعية أصبحت “مثقوبة” بفعل عشرات التداعيات السلبية التى عمقت ثقوبها وزادتها اتساعاً ومسخت وشوهت الجوهر الحقيقى للإنسان المصرى وانحرفت بقيمه وسلوكياته.
وعبر د. محمد عفيفى عن سعادته بالمشاركة فى فعاليات المؤتمر موجهاً التحية للمؤتمر لعمل مائدة مستديرة حول جمال حمدان الذى هو أحد المصقلين بهموم الوطن مثله مثل كثير من رواد الحركة التنويرية فى مصر أمثال رفاعة الطهطاوى، طه حسين، وأوضح أن جمال حمدان هو أكبر مثال على موضوع الوحدة والتنوع التى يدور حولها موضوع المؤتمر فهو متعدد الجوانب، متمرد، فلم يكن أستاذاً جغرافياً فقط بل كان مبدعاً ومؤرخاً وعالم نفس وأديب، لم يطرد من الجامعة كما أشيع ولكن هو من تقدم بإستقالته إعتراضاً بعدما تقدم بطلب للترقية فرفض وتم ترقية شخص آخر، فإعتزل الجامعة بعد هذه الواقعة لإعتزازه الشديد بنفسه.
وأوضح أن حمدان كان يدرس بنظرية الباحث المُحب لذلك إستطاع أن يوثق شخصية مصر مستفيداً من كل المناهج البحثية، حيث قال أن مصر من الدول المختلفة والمتميزة فى الموقع والإمكانيات البشرية، وانتهى إلى أن مصر أفضل من تركيا إذا أمكن الإستفادة من الإمكانات البشرية المتاحة لها، موضحاً موقع مصر وكيف كانت جاذبة للثقافات والحضارات.
وأكد على أن حمدان قد نوه على أن مصر طوال تاريخها سعيدة بتنوعها وتعدد أوجه الهوية المصرية، مشيراً إلى أبعاد مصر التى تتمثل فى: البُعد الإفريقى المتمثل فى نهر النيل أرتباطه بالدول الأفريقية، بعد عربى يتمثل فى الإرتباط الوثيق بالدول العربية، بُعد إسلامى يتمثل فى العالم الإسلامى، بُعد متوسطى، وأشار إلى أن حمدان قد نَظّر بالأزمة المصرية عندما تهتم ببُعد على حساب بقية الأبعاد المرتبطة بها.
وأشار الشاعر مجدى الحمزاوى إلى أن عبقرية المكان التى يتحدث عنها حمدان فى كتاباته هى المكان الجغرافى التى تعطى التأثير على الأفراد، وهى أيضا التى فرضت على مصر الحروب الوهابية التى خاضها محمد على فى المملكة العربية السعودية.
وفى تعقيب أكد د.السيد رشاد على أن مصر الطبيعية دولة “هشة” جداً ولكن قوتها تكمن فى موضعها وليس فى موقعها كما قال جمال حمدان.