الشاعر سعد عبدالرحمن يطلب المساعدة لتنفيذ مخطط ثقافى حتى تنهض مصر
كتب : عبدالناصر الدشناوى
قال الشاعر سعد عبدالرحمن، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة في الكلمة التي ألقاها نيابة عن وزير الثقافة في افتتاح المؤتمر العام لأدباء مصر، مساء السبت، الذي تنعقد دورته في الفترة من 28 إلى 31 ديسمبر الجاري
اسمحو لى فى بداية كلمتى أن أنقل إليكم جميعا تحيات وتقدير الأستاذ الدكتور محمد صابر عرب وزيرالثقافة الذى اعتذر عن عدم الحضور لسفره إلى خارج البلاد، وطلب منى أن أبلغكم تقديره الكبير للحركة الأدبية فى مصر، ولممثليها فى هذا المؤتمر: الأمانة العامة ورئيس المؤتمر والباحثين وأعضاء أندية الأدب، وأكد لى أنه يثق فى أن هذه الحركة الأدبية فى محافظات مصر كانت وما تزال العقل الواعى للشعب المصرى، والمحرك الأول للثقافة فى الأقاليم، وأنه يقدّر بكل إعتزاز مواقفها الوطنية، متمنيا لمؤتمركم كل التوفيق.
السيدات والسادة….
ونحن نستهل الليلةََ هذه الدورة من المؤتمر العام لأدباء مصر، فإن أبرز ما يجول الآن بخاطرى أن هذا المؤتمر الذى كان شاهداً على كثير من الطموحات الثقافية وتحقق الكثير منها فى الواقع الثقافى المصرى، يتأهب المؤتمر الليلة للدورة الثالثة على التوالى من أجل مناقشة إحدى القضايا الثقافية الكبرى التى تتعلق بمستقبل وطننا الغالى مصر، ويضع على مائدة البحث قضية محورية لعلكم تتفقون معى على أنها تمثل عصب الوجود المصرى وسر حيويته، ألا وهى قضية “الثقافة المصرية بين الوحدة والتنوع”..
فبعد أن وظّف المؤتمر قضية الوطن التى تمثلت بوضوح فى ثورة 25 يناير2011 وحقق خطوة ثقافية مهمة بمناقشة التحولات السياسية فى مصر بعد الثورة من خلال موضوعه العام “سقوط نص الاستبداد” ثم عاد وناقش فى دورته الماضية تحت عنوان” عقد ثقافى جديد”، عدداً من القضايا الثقافية التى تستشرف المستقبل، فإننا نراه فى هذه الدورة يدخل بقصد فى نقاش جادّ حول ماهية الثقافة المصرية، ودورها ومستقبلها ومكوناتها وتحولاتها وقسماتها التى تراكمت عبر التاريخ لتشكل نصاعة “القوة الناعمة” لمصر…
وأعلم أن الأمانة العامى للمؤتمر حين أستغرقت فى مناقشة هذه القضية ثلاث جلاسات، إنما تسعى إلى إكتساب إحترام النفس، وإلى إثبات أن فى القلب من مصر أدباء قادرين على التصدى بعقل متفتح وإرادة قوية لمثل هذه القضايا المصيرية كما تصدى لها رواد التنوير والحداثة الفكرية فى القرن التاسع عشر، من أمثال “رفاعة الطهطاوى، محمد عبده، طه حسين، محمد حسين هيكل، توفيق الحكيم، العقاد، سلامة موسى”، وقادرين كذلك على فعل ذلك فى مناخ قد لا يكون ملائما، فى وقت ينشغل فيه البعض بالتنابذ السياسى، ويولع البعض الآخر بالظهور على الشاشات الفضائية، ويبالغ أخرون فى تسويد صفحات الجرائد بكثير من الكلام الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع.
وإننى أراها فرصة طيبة لكى أشيد بالدور الثقافى الذى قدمته الأمانه الحالية للمؤتمر فى دورتيه السابقة والحالية، وأن أنظر بعين التقدير إلى ما استطاعت لجنة الأبحاث أن تنجزه فى دورة هذا العام برئاسة الناقد الكبير الدكتور حامد أبو أحمد، ولا سيما أننا جميعا نجتاز موقفا تعثر الأراء فيه، ولا نريد أن نكون ضحية إحدى هذه العثرات، فالمصريون يعيشون فى هذه الآونة لحظة تاريخية فاصلة من عمر الحضارة المصرية، ويحلمون بمستقبل مغاير وواعد، ويتوقون إلى آفاق بعيدة، وأرى أن اللحظة الراهنة نقطة ارتكاز يمكن للمثقف أن يلعب فيها دوراً بارز الأهمية.
السيدات والسادة..
إن من أبرز عوامل عبور الوطن إلى المستقبل أنكم تستطيعون عبر كونكم قدوة وبما لديكم من أفق ثقافى واسع وثراء وتنوع فى الرؤى، أن تكونوا أول من يحقق قدراً واعياً ومسئولا من الحرية والمساوة والعدالة، وأن تعلموا على صون الحق فى التعبير وأن تكون للديمقراطية كلمتها العليا، وبخاصة وأنكم تمارسونها عمليا فى أمانة هذا المؤتمر، فمن البديهى أن يقوم المثقف المبدع الآن بدوره التفاعلى فى المجتمع من خلال مسلكه، وممارسته للفعل الاجتماعى، وموضوعيته، وقبول الآخر، ونبذ العنف والتطرف والمغالاة، وتحكيم العقل فى مناقشة القضايا، والتجرد عن الهوى، والترفع عن الخوض فى الصغائر، بل إن دور المثقف يجب أن يحوى إلى جانب ذلك كله ريادته الواعية المستنيرة لذويه، ومد يد العون والنصح إلى مجتمعه خصوصا عندما يدخل فى معترك أو تتشعب به السبل كما يحدث فى مجتمعنا فى هذه المرحلة التى نعيشها.
الحفل الكريم..
لقد كان مؤتمر أدباء مصر المحرض الأكبر على دخول ساحات التغير فى وقت كانت الأصوات تتهيب أن تنطق، وكانت الأنفس تكتوى بمرارة الكبت، لكن هذا المؤتمر صاغ أنشودة كبرى، وملحمة تاريخية على درب التغير منادياً بحماية الرأى والتعبير والإبداع وبتحقيق العدالة، والأهم من ذلك أن دوره الوطنى خالد فى رفض التطبع مع العدو الصهيونى ظل الموقف الأكثر جسارة، والنقطة الزاهية فى تاريخ ممارسة العمل العام فى مصر عبر أكثر من ثلاثين عاما.
وإننى أعلن لكم أن هذا المؤتمر سيظل صوت الكلمة الوطنية المخلصة، وضمير الأدباء المصريين اليقظ على إمتداد بقاعهم، وإذا كان من حق الليلة لأحد فهو لهذا المؤتمر الذى هو جدير بأن نهدى إليه وسام شرف “الوطنية المصرية” ونوط الحرية، لأنه أحد آليات تلمس الخطى نحو المستقبل المأمول.
لقد استطعتم أن تربطوا بين ما تتمنونه للثقافة المصرية ذات التعدد والتنوع والتجاور والتواصل، وبين الثقافة المصرية بنت الروح الشعبية العريقة، ونبت الإرادة الإنسانية للمصرى القديم، وصاحبة العطاء الحضارى الممتد عبر آلاف السنوات، كما أنكم استطعتم أن تربطوا بين هذا كله وبين عطاء علمى وفكرى وتنويرى قدمه رجل عاشق لمصر محب لثراها مؤمن “بعبقريتها” تفانى فى كشف جواهرها وهو الكاتب الكبير الغائب الراحل جمال حمدان.
وإذا كانت الهيئة لم تستطع أن تحقق رغبة الأمانة فى عقد هذه الدورة فى مدينة الغردقة لأسباب خارجة عن الإرادة كانت الأمانة على علم بهذه الأسباب أولا بأول، وأنها تفهمت ذلك بوعى كامل، فإنه وبحسب المثل “القائل رب ضارة نافعة”، فإن هذه الدورة تعتبر الدورة الأولى من دورات المؤتمر التى ترعاها الهيئة رعاية كاملة دون مشاركة من أية جهة، وهو ما كان يطالب به أدباء مصر وأعضاء الأمانات السابقة طيلة العقود الماضية.
فهنياً لكم ولجميع أدباء مصر إستقلال المؤتمر وتخلص إرادته من الحاجة إلى جهة أو مؤسسة.
السيدات والسادة..
لقد وقفت فى مثل هذا الموقف منذ عامين وناديت بأن يكون عام 2012 عاماً للثقافة الجماهيرية “كما نحب أن نسميها”، ودعوت جميع المصريين من النخب والمتخصصين والكتاب والأدباء أن يبدأوا فى بث أنسام الثقافة فى الهواء المصرى، لأن الثقافة فى بعض تجلياتها أحد مقومات الصمود ضد هجمات التطبيع ونعرات الظلامية ومخططات الفرقة والأنقسام ودعاوى العولمة ذات الملمح الثقافى المؤطر بأطر فكرية داخلية.
وقد قلت وقتها “اسمحوا لى أن أدعوكم جميعا مثقفين ومبدعين ونقاداً وكتاباً وإعلاميين وتنفيذيين ومسئولين أن تمدوا يد الدعم الثقافى للهيئة العامة لقصور الثقافة، لنعلن “عقداً ثقافياً” للتوعية الثقافية تتبناه الهيئة العامة لقصور الثقافة بمشاركتكم جميعا… يضطلع فيه المثقفون والمبدعون بالقيام بهذا الدور الحيوى، ليتواجدوا بين أبناء الشعب المصرى فى كل بقاع مصر جنبا إلى جنب مع مختلف فئاتهم وطبقاتهم وأعمارهم، بحيث تتضافر جهود الهيئة العامة لقصور الثقافة مع جهود النخبة المثقفة فى مصر للتحرك فى المناطق الشعبية والريفية وفى أطراف المدن والمناطق الحدودية لإنهاض الحركة الثقافية، ودعم جهود التوعية والتثقيف السياسى والإجتماعى فى هذه المرحلة المفصلية من تاريخ مصر.
واليوم أكرر النداء نفسه وأعلن الدعوة من جديد:
إننى باسم الهيئة العامة لقصور الثقافة، عاملين وقيادات أدعوا جموع مثقفى مصر وكتابها وإعلامييها ونخبتها السياسية ونشطاءها السياسيين، ونوابها الذين سينتخبون فى مجلس الشعب، أدعوكم لدعم توجه الهيئة فى هذا الأتجاه، ومساندتها فى تنفيذ برامجها المتواصلة خلال العام الذى سنستقبله بعد أيام قلائل.. لنعمل معا من أجل نهضة مصر ثقافياً، وننبذ الخلاف فى الرؤى والتعصب للرأى، ونستبصر ما يحدق بنا من مكائد ودسائس ومؤامرات، وَاعينَ أن المدخل الحقيقى الذى سينقذ هذا البلد هو المدخل الثقافى، وأن الحل الأكبر لعدد كبير من مشكلاته وأزماته يكمن فى وعى هذا الشعب بحقيقة تاريخ مصر الحضارى، ومكوناتها المتداخلة الممتزجة من عناصر القوة الناعمة.
هذه هى دعوة الهيئة العامة لقصور الثقافة لكم لنبدأ معاً عهداً جديداً من العمل المتواصل والدأب والمثابرة لإحداث التراكم المطلوب والتحول الثقافى والوعى الحقيقى لأبنائنا وإخوتنا فى كل شبر من أرض مصر.
السيدات والسادة الكرام..
اسمحوا لى أن أتوجه بالتحية والتقدير إلى الأستاذ الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة الذى ظل يتابع أعمال المؤتمر منذ اللحظة الأولى لهذه الدورة، وكان حريصاً على التعرف على أعمالها التحضيرية فى خطواتها الأخيرة.
وتحية واجبة للأمانة العامة للمؤتمر برئاسة الصديق الأديب الأستاذ محمد صالح البحر، وللصديق الناقد الأديب الدكتور جمال التلاوى رئيس المؤتمر، وللناقد الدكتور حامد أبو أحمد رئيس لجنة الأبحاث بالمؤتمر، وللسادة الباحثين الذين أغنوا هذه الدورة بأوراقهم البحثية، ولأعضاء الأمانة الذين لم يدخروا خلالها وسعا ولا جهداً فى دعم العمل الثقافى والنهوض بهذا المؤتمر والسعى لتطوير أدواته ودعم آفاقه المستقبلية.
كما أحيى الجهود المخلصة والفاعلة للأصدقاء الأعزاء فى الإعلام: المقروء والمسموع والمرئى والتفاعلى، الذين كانوا دعماً لنا فى جميع مراحل الإعداد لهذا المؤتمر.
والتحية والتقدير إلى الأستاذ الدكتور سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون لموافقته السريعة وتجاوبه الواعى حيث رحب باستقبال حفل إفتتاح المؤتمر فى قاعة سيد درويش التابعة للأكاديمية.
والشكر موصول إلى الفنان الدكتور أيمن الشيوى مدير قاعة سيد درويش لما بذله من مجهود متواصل وتيسيرات كبيرة لإقامة هذا الحفل.
وبعد…
فإننى على ثقة من أنكم ستقدمون عطاءً متميزاً فى هذه الدورة من المؤتمر، وأنتم تناقشون أبحاثه وتديرون حواراً ثقافياً خلاقاً حول هذه القضية المهمة “الثقافة المصرية… بين الوحدة والتنوع” واضعين نصب أعينكم أن الثقافة نمط حياة، وفعل تراكم، من أجل وضع تصورات علاقة جديدة لمستقبل الوطن وشعبه العريق.
أتمنى لكم مؤتمراً ناجحاً، وجلسات مفيدة، وأن يخرج المؤتمر بتوصيات تخدم المشهد الثقافى والإجتماعى المصرى وأن تكلل جهودكم بتوفيق الله.