“صلاة خاصة” تحتفي بالمسكوت عنه في التاريخ المسيحي
القاهرة :
لعبت مدرسة اللاهوت في الأسكندرية دورا بارزا في تشكيل الفلسفة والفكر المسيحي في القرون الأولى، هذا ما رصدته رواية صبحي موسى “صلاة خاصة” الصادرة حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وفيها قدم موسى مجهودات الأباء والمفكريين المصريين في تشكيل الوعي المسيحي، بدءا من تراث أوريجانوس العظيم مرورا بصراع أثناسيوس مع الهراطقة من الأريوسيين والمليتيوسيين وغيرهم، وانتصار كنيسة الأسكندرية في صراعها مع الهراطقة على مختلف الأفكار التي حادت عن الإيمان القويم، بما فيها أفكار يوحنا ذهبي الفم ونسطورس وأوطاخي وغيرهم، وقد رصدت الرواية الواقعة في 550 صفحة من القطع الكبير الصراعات الكبرى التي أدت إلى انعقاد المجامع المسكونية في نيقية وأفسس وخلقدونية وغيرها، والمشكلات اللاهوتية التي تعرضت لها بدءا من وحدة الأقانيم الثلاث وصولا إلى طبيعة المسيح ومكانة العذراء.
تقوم الرواية على خطين متوزايين، الأول هو خط التاريخ القديم الذي نسج المؤلف تفاصيله ووقائعه الصغيره، بينما جاء الخط الثاني عن التاريخ الحديث للأقباط ممزوجا بتاريخ المصريين ككل، حيث ظهرت في خمسينات القرن جماعة الأمة القبطية على غرار جماعة الاخوان المسلمين، واتجهت مثلها إلى طريق العنف، مما أدى إلى ظهور جماعة أخرى طالبت بنبذ العنف وإعمال العقل متخذة من أوريجانوس شعارا لها بوصفه رمز الفكر التنويري المبكر في المسألة المسيحية.
اعتمد موسى في رصد أحداثه القديمة والحديثة على مكان متخيل هو “دير جبرائيل الملاح” الذي جعله في منطقة جبال البحر الأحمر، والذي رصد من خلاله نشوء وتطور فكر الرهبنة، وانتقالها من مصر إلى العالم ككل، كما رصد التطورات الفكرية والصراعات الدينية المسيحية، ودور الرهبان في تعميق الفكر المسيحي ومزجه بالرؤية المصرية، حتى تداخلت الهوية الدينية بالهوية السياسية، واصبح مصطلح قبط معادلا لكلمة إيجبت، وقد ارتبط التاريخ القديم بالتاريخ الحديث في “صلاة خاصة” في دير الملاح من خلال المحققة دميانة التي أوكل إليها بعض التحقيقات الخاصة بالدير، ومن خلالها تعرفت على القس أنطونيوس الذي مثل الاتجاه التنويري بالدير، في مقابل الاتجاه المتشدد الذي سعى للخلاص منه، وكان على دميانة أن تختار واحداً من الاتجاهين لتقف بجانبه، فاختار اتجاه أنطونيوس،ووقعت في حبه، وسعت لانقاذه مما يحاك له، لكنها لم تستطع أن تنجو بنفسها بعيدا عن الصراع، فطردت من الدير، وهوجمت من قبل بعض الرهبان،وكادت أن تقتل على أيديهم، مثلما كادت أن تقتل على ايد السلفيين في القرية التي لجأت إليها.
في هذه الرواية يحتفي موسى بجانب من التاريخ المصري المسكوت عنه رغم أهميته في تكوين الهوية المصرية، إلا أن أصحابه لا يسعون للتعريف الناس به، كما أن الثقافة المهيمنة وهي ثقافة الأغلبية غير مشغولة بمعرفة تفاصيله،ويبدو أن هذا ما دفع موسى للتنقيب في التاريخ القبطي، والوقوف أمام مشكلات الأقباط الراهنة والقديمة، بحثا عن مستقبل أفضل يقوم على معرفة الآخر واحترام قيمه ومعتقداته وأفكاره.