رغيف الفينو بقلم هبة عوض
في لحظة تاخذك الحماسة لفعل شيئا ما جديدا كالانتقال من المنزل مثلا فتبدا الفكرة تنمو في راسك وتتفرع اوراقها وتزهروتتوهج كاشجرة في ليلة ربيع عندما تجد الطريقة التى تمكنك اخيرا من النهوض مبكرا في مكان اخر مكان يتسع هوائه لتنفساتك ,مكان يطل على العالم من جديد بمرح وحب ,فتريد ان تقطف تلك الازهار لتشم اخيرا رائحة الحياة منها فما ان تقترب وتلمسها حتى تجدها ذابلة ماتت منذ منذ زمن بين صفحات هذ الكتاب القديم الذي كنت تخطط فيه الانتقال من المنزل,فالمال الذي تملكه لن ينجز المهمه ابدا,وعليك الان ان تكف عن ذلك الوهم في انها ستصحو من جديد ,وان تعترف بان حياتك بلا رائحه وبلا معنى وأنك لا شيء في هذا العالم الكبير الذي ياكل بعضه بعضا,انت فقط رغيف فينو هشا وضعيف ومليئا بالفراغات ولست انت وحدك فانا ايضا كذلك ,لقد تم عجننا وطهونا جيدا فى الفرن فخرجنا على هذا النحو نملا الصاج منتفخين ,لا نملك من الحياة شيئا فالحياة هي من تملكنا ,ولعلي بالغت قليلا في هذا التشبيه ولكنه قريب جدا على الاقل مني ولعلك تضحك الان كيف لشخص مثلي بهذا الجسد البدين الذي يتكوم فوق الكنبة ان يرى نفسه رغيف فينو ولكنك يا صديقي لا تعرف ,لا تعرف انني انمحي استيقظ كل يوم بدون جزء مني جزء كان مشعا بالحياة والامل ,ولكنه انطفىء شيئا فشيئا حتى اختفى في ظلام الياس والملل المحيطان بي,انني يا صديقي انتهي تتناثرمني اجزائي لتصبح جزءا من العدم ,والعالم لا يشعر بماساتي وانا لم أعد اشعر بمأساته ,بل انني وهو نبتعد عن بعضنا فتتغلغل بيننا تلك المسافات الضخمة التي تفصل الاكوان الفضائية عن بعضها,وتملانا تلك الفراغات التى تتسبب فى دمار وهلاك البشرية,ولا اعرف كيف حقا تحملني هذة الكنبة الغبية فوقها وانا وزني كاثقل جبل عتيق امتص من التلفاز الموجود امامه فى الغرفة كل معاناة البشر في العالم فاثقلته وجعلته يعاني من البدانة كما قلت ,نعم انا رجل بدين لا استطيع الجلوس من دون ان افتح فمي وليس للكلام لا,وانما لالتهام شيئا ما من طعام,شيئا اجد فيه المتعه ولكنه يذوب سريعا في فمي ويضيع طعمه فى لعابي حتى يسقط في حلقي فأتناول بعده شيئا غيره,وأنا أغير فى قنوات التلفاز واتابع الاخبار المثيرة حول المذابح وغيرها بدون اي تاثر بها فلا دموع او ضحكات قد تخرج مني سوي ما يخرجه جسدي من فضلات في الحمام انني انتهي بداخلي واغيب عن الوعي تماما بدون ان افقد القدرة على التهام الطعام او متابعة الاخبار فقط تختفي الافكار والاحلام وتنمو لي اطرافا جديدة تمدني بمزيدا من الطعام,وتلتصق ساقاي ببعضهما حتى اصابع القدمين ويبدان فى الاتساع حتى يملأا كل الفراغات بجانبي على الكنبة ..هكذا انمو واموت فى الوقت نفسه ولم يعد ذلك مهما فى الحقيقة ولكننى اخاف أن انمو اكثر من ذلك فلا تتسع لي الكنبة فتقع مني اطرافي وتتمزق ساقاي الملتصقتان,وما يخيفني اكثر هو الا يكفيني الطعام الموجود فى المنزل فابدأ بالتهام نفسي!..وأنا اعرف جيدا انني مليئا بالفراغات كرغيف فينو فما ان ابدا بالاكل فلن اتوقف حتى اخر قطعة مني, وفي تلك الحالة لا اعرف حقا اذا كنت سانمو من جديد ام لا!!..وهل تنمو الفراغات؟!..لا انها تتسع فقط,اذن لا يوجد حل يا صديقي سوى ان انام سوف اعاني بالطبع من القلق والخوف قبل النوم من المستقبل ومن الكوابيس ولكن ليس هذا كل شئ بل ستكون اكبر معاناتي من ان يكبر حجمي اثناء نومي فيقع بي السرير وربما تنغرس احد الالواح الخشبية منه فى جسدي الطري المتدلي من كل مكان ,فانا عندما انام يتمدد جسدي بجانبي ويكبر حتى تصغر كل الاشياء من حوله وتبدو الحجرة كاحجرة عملاق تاخذ راسه فقط نصف مساحة الغرفة والنصف الاخر بالكاد يتسع للاطراف والساقان ,النوم ليس هو الحل اذن كان الحل ان اشتري بيتا اكبر وان اطلب من النجار ان يصنع لي كنبة بحجم الغرفة وان اشتري تلفاز بعرض الحائط فبالتاكيد عيناي ستكبران مع وجهي وسيضعف فيهما النظر ,فانا انمو من الخارج فقط ومن الداخل اذبل واموت..ساتحول الى وحش يسكن ذلك البيت الكبير,سيخشاني الناس وسوف يبتعدون عني بالتاكيد,ولن يعرفوا ابدا انني ضئيل جدا وضعيف جدا وهشا جدا كرغيف الفينو ,سيتركونني وحيدا حتى اموت فوق تلك الكنبة وامام التلفاز,ويبدو ان هذا ليس هو الحل ايضا ولا لا تقل لي ان اتوقف عن تناول الطعام وأن اقوم للعمل وان اتبع حمية غذائية وان ابدا في البحث عن ذاتي..لا تقل هذا مطلقا يا صديقي لأنني ببساطة ما أن ابدا البحث عن ذاتي حتى اتوه ويضيع مني الطريق الى البيت ويتجمع الناس حولي يطلبون مني تفسيرا وشرحا لحالتي وانا اعجز عن وصفها لهم فيطرحون الاسئلة والسؤال الاول هو الاصعب ,,ماهو اسمك؟!,,…وانا لن اتذكر اسمي يا صديقي مما سيضطرهم الى نشر صورتي على مواقعهم الاجتماعية وأظهار تعاطفهم معي والانسانية المهولة التي تنزل عليهم من السماء فيبداون في مشاركة صوري واخباري وربما تصل حتى الى التلفاز فاصبح جزءا من العالم الذي اكرهه ,لا يا صديقي لا تقترح علي هذا الاقتراح ابدا فانا أفضل ان اعيش كرغيف فينو على ان اكون جزءا من هذا العالم على التلفاز ,فالحل الوحيد ي صديقي هو التخلص من التلفاز ومن الكنبة ومن رغيف الفينو …وداعا…