هل حقاً يريدون الشهادة ؟!.. بقلم : د./ دعاء الدسوقى
لم نتعود كمصريين ، ولا أعمم ، ولكن أتحدث عن السواد الأعظم من المصريين ، على تحليل الأحداث والربط بين الأطراف المختلفة للمشكلات ومحاولة وضع المعطيات فى سياقها الفعلى ، فغالباً ما يشوبها التحيز أو المبالغة بشكل لا إرادى تعودنا عليه بمرور الزمن ، ولن أتحدث عن العوامل التى ساعدت على ذلك فهي كثيرة بالتأكيد ، ولكن ما يعنينا الآن هو محاولة الخروج من هذا السياق وإعادة بناء الفكر المجتمعى المصرى على أسس سليمة وواضحة للتعامل مع الأحداث المجتمعية بشكل عام ، وليس الأحداث السياسية فقط . ولا ننكر أن دراسة العوامل التى أدت بنا كمصريين لتبنى هذا الفكر المتحيز أو المبالغ هى المدخل للوقوف على الأسباب التى انتهت بنا إلى ما نحن عليه ، ولكن مع بحثنا واكتشافنا لهذه العوامل لابد لنا من التعرف على قواعد وأسس التفكير السليم والموضوعى والحكم على الأشياء بعيداً عن الذات التى تصبغ الكثير من أفكارنا بصبغة التحامل أو التعاطف والرفض أو القبول .. هى منظومة لابد لنا من تعلمها.
لو أننا استطعنا تحليل المدخلات لأى مشكلة أو أزمة وتحليل أسبابها ونتائجها بشكل علمى وموضوعى ، سنستطيع وبمنتهى الأريحية تحديد نوع هذه المشكلة وكيفية التعامل معها . وحتى نصل لهذه المرحلة يجب علينا أولاً التخلص من سلبيات التفكير ومعوقاته والتى تدفع الكثير منا للقفز إلى حلول سريعة أو سهلة غير موضوعية وغير عادلة أحياناً ..
ولنتوقف قليلاً أمام المشهد الراهن والذى أصبح يشكل عبئاً حقيقياً على المجتمع المصرى وعلى المصريين ليس على الجانب الأمنى فقط ولكن على الجانب النفسى والمعنوى بالدرجة الأولى ؛ “إعتصام جماعة الإخوان المسلمين “.. بالتأكيد أصبحنا جميعاً نعانى من هذه التجمعات وما تحويه بداخلها من مشاعر محتقنة ، وأجواء متوترة ، وميول تحريضية ليس على فئة ولا على قيادة سياسية ولكن على المصريين جميعهم بشتى صنوفهم من خارج الجماعة أومواليها … كثيراً ما نتساءل ويتساءل البسطاء : ما هذا الذى يفعلونه؟!.. ماذا يريدون حقاً؟!.. كيف يفكر هؤلاء حتى يدفعهم ذلك إلى الإلقاء بأنفسهم إلى التهلكة ظناً منهم أنهم بذلك ينالون الشهادة ؟!… الإجابة دوماً ستكون فى تحليل المعتقد الدينى لديهم ، ويسانده بالتأكيد المظلومية التاريخية التى يستدعونها لإثارة التعاطف .. ولا أتحدث هنا عن قياداتهم التى تثبت كل يوم ميولها العنيفة والاعقلانية فى التعامل مع الأحداث ، ولكن ما يعنينى هنا هؤلاء المصريين الذين أخرجوا من ديارهم لمساندة فكر محدد و أيدولوجية ربما لا يعلمون عنها شيئاً .. ولا أتحدث أيضاً عن الفقراء أو المحتاجين منهم الذين ربما وجدوا فى هذا الإعتصام ما يلبى حاجتهم أو يسد جوعهم … أتحدث عن العدول ، عن هؤلاء ممن يملكون الثقافة والعلم وربما المناصب الرفيعة أيضأ … أتحدث عن فئة من المصريين امتلأت عقولهم بالكثير من الأفكار والتوجهات الراسخة التى وضعتهم على حافة الهاوية والتى تدفع بهم الآن نحو مصير غير معلوم …. هل يريدون الشهادة حقاً؟!.. أم أنه سبيل لديهم للخلاص من معركة مع الألم وربما العجز الذى تسببه ضغوط هذه الأفكار وسيطرتها على كيانهم … لم يحاول منا سوى القليلين وضع أنفسهم موضع هؤلاء وما يعتمل بداخلهم من أفكار متصارعة ، وفى ذات الوقت كبح جماح هذا الصراع من أجل إعلاء مبادىء وأفكار ظلوا يدافعون عنها طيلة حياتهم … التعامل مع هؤلاء لن يكون سهلاً .. ولا أتحدث عن التعامل السياسى مع الأحداث ، أتحدث عن التعامل الإنسانى والتفاعل المجتمعى معهم … وبالقليل من التعمق وتحليل هذه الأفكار سنجد أن هناك إشكالية حقيقية فى السياق الفكرى لدى هؤلاء البشر يجب الإلتفات إليها بموضوعية وإيجابية لإيجاد الحلول ، ليس فقط بالتنظير ، ولكن بالتحليل العميق لما يعتمل بصدورهؤلاء وبعقولهم حتى نستطيع بالفعل أن نسمى أنفسنا مجتمعاً حقيقياً ، يسعى لإحياء قيم العدالة الإنسانية والتعايش السلمى التى أثارتها ثوراتنا الذاتية قبل ثوراتنا السياسية ، وحتى نستطيع بالفعل أن نتعامل جميعاً وبشتى توجهاتنا مع أنفسنا ومع ضمائرنا الإنسانية .