اُقيمت الجلسة الثانية (أ) من فعاليات اليوم الثانى لملتقى “تجديد الخطاب الثقافى” الدولى، وأدارها د.جورج سعادة، بمشاركة كل من: زينب عفيفى، و د.سعد حسن كمونى، و د.فرحان صالح، و د.محسن توفيق, عبد الجبار الضحاك.
وجه د.جورج سعادة التحية للحضور وللقائمين على الملتقى، ثم تناولت زينب عفيفى، التى شاركت بورقة بحثية عنوانها: “الفلسفة والثقافة فى عالم متغير“، حيث دار حديثها فى ثلاثة محاور وهم: الفلسفة عبر تحولاتها التاريخية والرؤية العصرية لها، ومفهوم الفلسفة وعلاقته بالثقافة والحضارة في عالم متغير، ونحو فلسفة عصرية تؤسس لهوية ثقافية وتؤصل للمواطنة والانتماء.
ثم تحدث د.سعد حسن كمونى الذى شارك ببحث عنوانه: “الاتباعيّة بين القرآن الكريم والسنّة”، قائلًا: يشكّل الإسلام مكوّنًا أساسيًا للثقافة العربيّة، الأمر الذي يجعل العملَ التحديثيّ قاصرًا ما لم يبدأ بمعاينة النصوص الإسلامية بهدف الكشف عن علل الركود الحضاري، والعجز عن الاستفادة من منجزات العصر على كلّ المستويات، وبالتالي العجز عن الإسهام في الحضارة الإنسانية من موقع الاقتدار، وأننا نلاحظُ هيمنةَ نصوص الحديث الشريف والسنة النبويّة، وتراجع مرتبة القرآن الكريم؛ وأنّ السنّةَ النبويّة تكرّس الاتباعية، بينما القرآن الكريم يحرض العقل والفكر في كل اتجاه، وأنَّ النهوض الحضاريّ لا يمكن له أن يكون بالاتباع بل بالإبداع؛ فإنّ الإشكالية الناجمةَ عن هذا الأمر تعبّر عن نفسها بالسؤال الآتي: كيف يمكن للقرآن الكريم، أنْ يأخذَ على العرب اتّباعهم ما ألفَوا عليه آباءَهم، دون تبصّرٍ منهم، فيما لو كان هؤلاء الآباء يعقلون أو لا يعقلون، يهتدون أو لا يهتدون، وفى الوقت نفسه يؤسَّس إسلاميًا لاتّباعيّةٍ يكونُ فيها الآباءُ الرسولَ وصحبَه وآلَ بيته والتابعين وتابعى التابعين”، وأفترض أن التعامل مع هذه الإشكاليّة سيفضى إلى معانٍ أخرى للعلامة اللغوية الدالة على وجوب طاعة الرسول، بردِّ هذه العلامة اللغويّة إلى مظانّها في النص القرآنى، ومعاينتها في سياقها وبيئتها اللفظيّة والدلاليّة، معتمدًا منهج التحليل الوصفى والسيميائى، مشيرًا إلى أن البحث لا يتوخى دحض السنة أو إثباتها، بل يحاول فهمها، بهدف إعادة تشكيل مكونات العقل العربى بما يؤهلُه للتطلّع نحو حياةٍ جديدة تمكّن العربيّ من الإسهام الفعال في الحياة الإنسانيّة.
عقب هذا كلمة د.فرحان صالح، وقد شارك ببحث عنوانه: “العرب والمسلمون… ثلاثة مشاهد فى الخطابات الأيديولوجية الغربية”، حيث أكد أنّ مكوّنات فكر التنوير غارقة فى القدم، وإن كانت عملية تركيبها جديدة، إلا أنّها تظل خلاصة الماضى المتعدّد والمتنوّع في خياراته وتوجهاته التاريخية، وليست نتاجًا لعصر التنوير، بل إنها خلاصة أفكار مدارس فكرية ما تزال تتصارع إلى اليوم، وقد اتّسم عصر التنوير بالعقلانية والتجريدية، كما أنّ رواد التنوير هم ورثة تشريعات حمورابي، وابن رشد، كما أنهم ورثة ديكارت، ولوك، وانطلاقًا وتأسيسًا من هذه الخلاصات، أكد أنه يرى أنّ الفكر التنويرى كان خلاصة أفكار جاء بها المئات من المفكرين والشعراء والفنانين والفلاسفة، من مختلف الحضارات، تلك الأفكار التى أصبحت مشاعًا تنهل منها البشرية ما تشاء. أما الذين يقولون بنهاية عصر التنوير، والتشكيك بالمفاهيم التي أتى بها مفكرو ذلك العصر، فيخلطون بين ما دعا إليه مفكرو ذلك العصر، وبين ما يدعو إليه مفكرو أوروبا والولايات المتحدة اليوم، ولقد تباينت المواقف السياسية والاجتماعية بين مصالح الشرق ومصالح الغرب، لكن أيضًا بين مصالح الدول الغربية ذاتها، وهذا ما نراه في الاهتزازات التى يشهدها الموقع الحضارى الغربى ضمن أوروبا ذاتها وبين أوروبا والولايات المتحدة، كما أنّ هذه الاهتزازات التى يعتقد البعض أنها وليدة النظام الرأسمالى، هى ذاتها ما تعرفه دول الشرق في علاقاتها مع بعضها البعض، وفي علاقاتها مع الغرب.
ثم جاءت كلمة د.محسن توفيق الذى شارك ببحث عنوانه: “حراك الفلسفة والعلم والدين – تداعيات ثقافية”، حيث بدأ حديثه مؤكدًا أن الفلسفة قد شكلت بكل مذاهبها والعلوم بكل أنواعها واﻷديان بكل مصادرها سماوية كانت أم أرضية، المنابع الرئيسة للثقافة اﻹنسانية على مدى التاريخ البشرى المسجل، ولقد ارتبط الحراك الثقافى للمجتمعات المختلفة بحراك هذه المنابع الفلسفية والعلمية والدينية وتفاعلاتها الديناميكية طبقًا لواقع المجتمع المعني وأهميتها كمصادر لثقافته، بما شكل المعرفة الكلية والفكر السائد ﻷعضائه، بل وللبشرية في مجموعها، وساهم في صنع التاريخ البشرى.
ثم تابع حديثه مؤكدًا أن أثر الهزة الفكرية العنيفة التى أعقبت ظهور نظريات النسبية والكم فى أوائل القرن العشرين بما شكل عهدًا جديدًا للعلم في نظرته الجديدة “الكلية”، والتى تتسق مع الصوفية الدينية، والتداعيات الثقافية لظهور المذاهب العضوية وعلوم اﻹيكولوجيا، والسيبرنطيقا، والنظرية العامة للمنظومات، ونظريات التعقيد شاملة نظريتى الفوضى وهندسة الفراكتلات. واختتم حديثه بمحاولة تتبع تطور نمو تطبيقات نظرية المنظومات في مناحى العلوم وتطبيقاتها الحياتية وتفاعلاتها مع المصادر الفلسفية والدينية فى المجتمعات المختلفة أو على المستوى اﻹنساني الكلي في محاولة لاستشراف ما قد تؤدى إليه من تحولات ثقافية جديدة، ولذا نحتاج بشدة أن نعمل بكل جهد على تجديد خطابنا الثقافى.